انتقد كتاب سعوديون مؤخراً سيطرة الجيش المصري على جزء كبير من اقتصاد البلاد، وذلك في وقت تحتاج فيه القاهرة إلى دعم خليجي للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي. ويرى محللون أن الانتقادات الأخيرة لا تستهدف مصر كبلد، وإنما تنتقد الأمور التي من شأنها التأثير على تصنيف المؤسسات الدولية لاقتصاد المملكة.
وكان الكاتب السعودي المثير للجدل تركي الحمد نشر مجموعة تغريدات، في 26 يناير 2023، عزا فيها ما تعيشه مصر من أزمات اقتصادية بالأساس إلى سيطرة الجيش على الاقتصاد، سواء بشكل مباشر أو عبر مؤسسات خاضعة له أو متنفذين لديه
ودخل الكاتب والأكاديمي السعودي الكبير خالد الدخيل على الخط أيضاً مغرداً بأن "ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952". وأضاف الدخيل: "انكسرت (مصر) في يونيو 1976، وتبخر وهج 23 يوليو 1952 كما عرفه المصريون والعرب. لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف".
وقد أكد الكاتبان أن نقد سياسات بلد عربي لا يعني انتقاد البلد نفسه ولا أهله، وإنما يعني انتقاد طريقة الإدارة، وأكدا رؤيتهما لمصر كبلد عربي كبير وله أهميته. وقبل هذه التغريدات طالب أمين سر مجلس الأمة الكويتي، النائب أسامة الشاهين، في 21 يناير 2023، بمساءلة وزير المالية عن مليارات الدولارات التي أودعتها الحكومة لدى مصر، وذلك في ظل الحديث عن مطالبة القاهرة لدول خليجية بينها الكويت بتسهيل اقتراضها 14 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. وقال الشاهين في بيان على "تويتر": "قبل الحديث عن 14 مليار جديدة علينا معرفة مصير الـ3 مليارات من المنح والقروض، والـ4 مليارات المودعة ومستحقة السداد".
ومنذ 2013، تحتفظ مصر بودائع خليجية تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار، وتتوزع على النحو التالي: السعودية (5.3 مليارات)، والإمارات (5.66 مليارات)، والكويت (4 مليارات). هذا إلى جانب 13 مليار دولار ودائع قصيرة الأجل أعلنها البنك المركزي المصري، في أغسطس 2022، وهي: 5 مليارات للرياض ومثلها لأبوظبي و3 مليارات للدوحة. وأواخر نوفمبر 2022، مددت السعودية وديعة الـ 5 مليارات القديمة من أجل تسهيل حصول القاهرة على قرض صندوق النقد الذي يصل إلى 15 مليار دولار. ولم يقتصر دعم الرياض للقاهرة على تمديد الوديعة التي كان مقرراً ردها نهاية العام الماضي، لكنها ضخت مزيداً من الاستثمارات لتحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية، بحسب وكالة "واس" السعودية.
الجيش والاقتصاد من بين الشروط التي فرضها صندوق النقد على مصر من أجل تمرير القرض الجديد أن يبعد الجيش والمؤسسات الخاضعة له بشكل مباشر عن الاقتصاد من أجل إفساح المجال أمام الشركات والمستثمرين. كما طالب الصندوق من وصفهم بـ"حلفاء مصر الخليجيين" بالوفاء بتعهداتهم الاستثمارية عبر تسريع عمليات شراء حصص وأصول في مصر لضمان قدرة القاهرة على سد فجوة التمويل الخارجي، خلال السنوات المقبلة.
ويرى الصندوق ومعه محللون أيضاً أن المميزات التي يحظى بها الجيش تعصف بمبدأ تكافؤ الفرص، وتجعل المنافسة بينه وبين المستثمرين المدنيين شبه معدومة. وسبق أن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عزمه طرح شركات مملوكة للجيش في البورصة المصرية، وهو ما أكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أنه سيتم خلال العام الجاري.
وقال مدبولي في حوار مع "بي بي سي"، العام الماضي، إن حجم استثمارات القوات المسلحة أقل من 1%، بينما قال السيسي في أحد المؤتمرات إن الجيش يشارك بـ3% من الناتج المحلي. ويصعب الوقوف على حجم استثمارات أنشطة الجيش الاقتصادية بشكل دقيق؛ نظراً لعدم توفر بيانات رسمية دقيقة، فضلاً عن تضارب التصريحات الرسمية بشأن حجم أعماله في إطار الناتج القومي الإجمالي.
لكن مؤسسات وصحفاً دولية تتحدث عن انخراط الجيش في أكثر من 50% من الاقتصاد بشكل مباشر وغير مباشر. لماذا يتكلم الخليجيون؟ الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب، يرى أن الأحاديث الصادرة مؤخراً، سواء من السعودية أو الكويت، والتي ربما تصدر من دول أخرى، لا تستهدف مصر كدولة، وإنما تستهدف كل من يحصل على دعم من دول الخليج.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال عبد المطلب إن الحديث عن مصر "مردّه إلى التوقيت؛ حيث يطلب صندوق النقد من دول خليجية ضمان مصر في قرض محتمل، وهو أمر ربما يضر لاحقاً بتصنيف هذه الدول".
وأضاف: "المسألة تتلخص في أن ضمان أي دولة لدولة أخرى عند مؤسسة مقرضة، أو ضخ استثمارات فيها، أو تقديم ودائع أو منح لها، يعني أن البلد الضامن أو المقرض أو المانح، أياً كان، لا يجيد استغلال موارده، في حال أنفقها في اقتصاد متدهور أو غير مستقر".
ومن ثم، يقول الخبير المصري، فإن أحاديث الخليجيين حالياً تنصب بالأساس على أنهم يريدون للاقتصاد المصري أن يكون أكثر قوة حتى لا تتأثر تقييمات دولهم بما تقدمه لمصر من مساعدات أو ضمانات، أو ما تضخه فيها من استثمارات.
كما أن دول الخليج حالياً تجري مراجعات مع مؤسسات دولية كبرى مثل صندوق النقد والبنك الدولي، بما يضمن بقاء تصنيفها مرتفعاً حتى لا تتأثر خططها التنموية المستقبلية التي تقوم في جزء منها على جذب استثمارات أجنبية، كما يقول المتحدث.
وتابع: "عندما يقول صندوق النقد الدولي بضرورة إنهاء سيطرة الجيش على الاقتصاد المصري كشريطة لنموه، ثم تقوم السعودية أو الكويت أو بلد آخر بضمان مصر عند الصندوق قبل أن ينفذ هذا الشرط، فإنه يعني أن حكومات هذه الدول غير رشيدة ولا تجيد إدارة مواردها".
ويرى الخبير المصري أن "الأوضاع حالياً تغيرت وأن حكام الخليج الجدد يريدون نمواً وتنوعاً، بل ويسعون لجذب العالم للاستثمار على أراضيهم بعد أن كان الخليج يبحث عن الاستثمار في الخارج، ومن ثم فإنهم يضعون نصائح المؤسسات الدولية نصب أعينهم، ويحاولون الالتزام بها حفاظاً على خططهم هم وليس خضوعاً لهذه المؤسسات".
كما أن التزام هذه الحكومات بتوصيات المؤسسات الكبرى يعطيها مصداقية لدى هذه المؤسسات ولدى المستثمر الأجنبي؛ لأنه يعني أن خططها المستقبلية قوية ومستمرة وتقوم على الأخذ بالرأي وتحظى بدعم من صانع القرار السياسي نفسه، وفق عبد المطلب.
وخلص إلى أن هذه الأحاديث ستثار مع أي بلد يريد الحصول على مساعدة خليجية مستقبلاً؛ سواء مصر أو غيرها، وهو ما أكده وزير المالية السعودي مؤخراً، عندما قال إن بلاده ستغير سياستها القديمة في المساعدات والمنح، حتى تصبح المساعدات مشروطة. وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قال خلال مشاركة في منتدى "دافوس" الاقتصادي بسويسرا (18 يناير الماضي) إن المملكة تعمل على تغيير سياسة المنح والمساعدات غير المشروطة، مشيراً إلى أنها ستبدأ وضع شروط لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. وأوضح الجدعان أن الرياض كانت تدعم الحلفاء دون شروط، وأنها تغير هذه السياسة حالياً؛ لأنها تريد أن ترى إصلاحات في هذه الدول.